الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال بعضهم: من أسباب التأليف المطلوب شرعاً وهو عمدة في التحبب والتودّد الذي هو رأس العقل والتهنئة بنحو الأعياد والشهور وقد صرح بأنها بدعة حسنة وقال المؤلف: بل لها أصل في السنة كالتهنئة بالمولود، وألف فيها أصول الأماني بحصول التهاني. - (طس عن علي) [ص 575] أمير المؤمنين وهو حديث آل البيت عن آبائهم إلى علي. 4365 - (رأس العقل بعد الإيمان باللّه التودد إلى البيت) أي التسبب في محبتهم لك بالبشر والطلاقة والهدية والإحسان ونحو ذلك وتمامه في غير ترك الحق هكذا ساقه الديلمي وغيره وهو قيد معتبر فحذف المصنف له غير صواب اللّهم إلا أن تكون رواية. قال بعض العارفين: علامة العاقل أربعة لا يتنكر من المصائب ولا يتخذ عمله رياء ويحتمل أذى الخلق ولا يكافئهم ويداري العباد على تفاوت أخلاقهم. - (البزار) في مسنده عن أبي هريرة قال الهيثمي: وفيه عبيد اللّه بن عمر القيسي وهو ضعيف (هب) من حديث هشيم عن عليّ بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي: لم يسمعه هشيم بن علي وهذا حديث يعرف بأشعث بن براق عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدلسه هشيم اهـ وأعاده مرة أخرى وقال: في هذا الإسناد ضعف. (رأس العقل بعد الإيمان باللّه التحبب إلى الناس - طس عن علي) 4366 - (رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر) ولهذا قال الحكماء: اتسعت دار من يداري وضاقت أسباب من يماري وقال ابن أبي ليلى: أما أنا فلا أماري صاحبي، فإما أن أغضبه وإما أن أكذبه قال في شرح الرسالة العضدية: والتودد طلب مودة الأكفاء والأمثال وأهل الفضل والكمال وأنشد: فإذا أردت مودة تحظى بها * فعليك بالأكفاء والأمثال قال: ومودة الأراذل تورث ذلة ومودة العلماء تورث عزاً . قال العسكري: ما من حديث صحيح إلا أصله في القرآن فقيل له: فحديث رأس العقل إلخ أين هو في القرآن قال: - (هب عن علي) أمير المؤمنين وفيه عبد اللّه بن أحمد بن عامر عن أبيه عن أهل البيت أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له نسخة باطلة وعلي بن موسى الرضي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له عجائب عن أبيه عن جده ورواه عن علي أيضاً بالفظ المزبور الطبراني في الأوسط والجعاني في تاريخ الطالبين. 4367 - (رأس العقل بعد الإيمان باللّه التودد إلى الناس) قالوا: معنى التودد في هذه الأخبار الإتيان بالأفعال التي تودك الناس ويحبونك لأجلها كما يشير إليه خبر ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس فمن فعل ذلك وده الناس لكن لا يريد بذلك محبتهم له بل يفعله للّه لوجوب حق العباد لا لمطالبة الود منهم وإذا فعله للّه أودع اللّه وده في قلوبهم بوده تعالى له - (الشيرازي) بكسر المعجمة وسكون المثناة التحتية نسبة إلى شيراز قصبة فارس ودار الملك بها (في) كتاب (الألقاب هب) من حديث إسماعيل بن يحيى العسكري ولقبه سمعان عن إسحاق العمي عن يونس بن عبيد عن الحسن (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتاً عليه والأمر بخلافه فإنه تعقبه بما نصه: هذا إسناد ضعيف والحمل فيه على العسكري أو العمي اهـ ورواه الحاكم وأبو نعيم والديلمي ثم قال: وفي الباب علي أمير المؤمنين. 4368 -[ص 2] (رأس العقل المداراة) قال ابن الأثير: غير مهموز ملاينة الناس وحسن صحتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك أو يؤذوك وقد يهمز، ومن ثم قيل: اتق معاداة الرجال فإنك لا تعدم مكر حليم أو مفاجأة لئيم وينبغي الاعتناء بمداراة العدو أكثر فقد قيل: ألقى العدو بوجه لا قطوب به * يكاد يقطر من ماء البشاشات فأحزم الناس من يلقى أعاديه * في جسم حقد وثوب من مسرات قال الماوردي: لكن ينبغي مع تألفه أن لا يكون له راكناً وبه واثقاً بل يكون منه على حذر ومن مكره على تحرز فإن العداوة إذا استحكمت في الطباع صارت طبعاً لا يستحيل وجبلة لا تزول وإنما يستكف بالتأليف إظهارها ويستدفع به إضرارها كالنار يستدفع بالماء إحراقها وإن كانت محرقة بطبع لا يزول وجوهر لا يبيد (وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) قال ابن الأثير: روي عن ابن عباس في معناه يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة لهم معروفهم وتبقى حسناتهم جامعة فيعطونها فإن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ويدخله الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة وفيه أن المداراة محثوث عليها أي ما لم تؤد إلى ثلم دين وإزراء بمروءة كما في الكشاف. - (هب عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه: وصله منكر وإنما يروى منقطعاً اهـ وفيه محمد بن الصباح أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول وحميد بن الربيع فإن كان هو الخراز فقد قال ابن عدي: يسرق الحديث أو السمرقندي فمجهول وعلي بن زيد بن جذعان ضعفوه. 4369 - (رأس العقل بعد الإيمان باللّه التودد إلى الناس) مع حفظ الدين قال الغزالي: فعلى من ابتلى بمخالطة الناس مداراتهم ما أمكن ويقطع الطمع عن مالهم وجاههم ومعونتهم فإن الطامع خائب غالباً وإذا سألت واحداً حاجة فقضاها فاشكر اللّه عليها وإن قصر فلا تعاتبه ولا تشكه فتصير عداوة وكن كالمؤمن يطلب المعاذير ولا تكن كالمنافق تطلب العيوب وقل لعله قصر لعذر لم أطلع عليه وإذا أخطأوا في مسألة وكانوا يأنفون من التعلم فلا تعلمهم فإنهم يستفيدون منك علماً ويصبحون لك أعداء إلا أن تعلق بإثم يفارقونه عن جهل فاذكر الحق بلطف بغير عنف ولا تعاتبهم ولا تقل لهم لم لم تعرفوا حقي وأنا فلان بن فلان وأنا الفاضل في العلوم فإن أشد الناس حماقة من يزكي نفسه، (وما يستغني رجل عن مشورة) فإن من اكتفى برأسه ضل ومن استغنى بعقله ذل ومن ثم قال حكيم: المشورة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معها رأي ولا يفقد معها حزم وقال بعض الحكماء: الخطأ مع الاسترشاد أجمل من الصواب مع الاستبداد (وإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وإن أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة) فإن الدنيا مزرعة الآخرة وأحكام الآخرة مترتبة على أحكامها كما سبق. قال ابن عربي: الناس أحوالهم بعد موتهم على قدر ما كانوا عليه في الدنيا للتفرغ لأمر ما معين أو مختلف على قدر ما تحققوا به وهم في الآخرة على قدر أحوالهم في الدنيا فمن كان في الدنيا عبداً محضاً كان في الآخرة بقدر ما استوفاه في الدنيا فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا [ص 3] غاية الذل في جناب الحق ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا عزاً في نفسه وإما أن يكون في ظاهر الأمر ملكاً أو غيره فلا يبالي في أي مقام وفي أي حال أقام عنده في ظاهره إنما المعتبر حاله في نفسه، ذكر القشيري أن رجلاً دفن رجلاً ونزع الكفن عن خده ووضعه على التراب فقال له الميت: يا هذا أتذلني بين يدي من أعزني ورأيت أنا مثل ذلك أن صاحبي الحسن هاب غاسله أن يغسله ففتح عينه في المغسل وقال له: اغسل فلا فرق بين الحياة والموت . أخرج العسكري عن سفيان بن عيينة قال: ما من حديث عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم صحيح إلا وأصله في القرآن فقيل: يا أبا محمد قوله رأس العقل بعد الإيمان المداراة أين المداراة في القرآن قال: قوله تعالى - (هب عن سعيد بن المسيب مرسلاً) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب: مرسل وضعيف وقال ابن الجوزي: متن منكر وأقول فيه محمد بن عمرو وأبو جعفر قال الذهبي: مجهول ويحيى بن جعفر أورده الذهبي في ذيل الضعفاء والمتروكين وقال: مجهول وزيد بن الحباب قال في الكاشف: لم يكن به بأس وقد يتهم والأشعث بن نزار ضعفوه وعلي بن زيد بن جذعان قال أحمد وغيره: ليس بشيء وبه يعرف أن إسناده عدم مع كونه مرسلاً. 4370 - (رأس العقل بعد الإيمان باللّه مداراة الناس) أي أشرف ما دل عليه نور العقل بعد الإيمان باللّه بمشاهدة عظمة اللّه وعزته وعقل نفسه عن السكون إلى غير اللّه مداراة الناس أي ملاينتهم وملاطفتهم ومن المداراة أن لا يذم طعاماً ولا ينهر خادماً ولا يطمع في تغيير شيء من جبلات الناس إلا ما اقتضاه التعليم والمخاطبة باللين مع سهولة الجانب سيما مع الأهل ونحوهم والتغافل عن سفه المبطلين ما لم يترتب عليه مفسدة، ومن ثمة قيل: اتسعت دار من يداري وضاقت دار من يماري وقيل: من صحت مودته احتملت جفوته وقيل: إذا عز أخوك فهن وكن كما قال ابن العلاء: لما عفوت ولم أحقد علي أحد * أرحت نفسي من حمل العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيته * لأدفع الشر عني بالتحيات وأحسن البشر للإنسان أبغضه * كأنه قد ملأ قلبي بالمسرات ولست أسلم ممن لست أعرفه * فكيف أسلم من أهل المودات الناس داء دواء الناس تركهم * وفي الجفاء لهم قطع الأخوات فخالط الناس واصبر ما بليت بهم * أصم أبكم أعمى ذا تقيات ونسب بعد ذلك للشافعي (وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة) قال العامري: أهل المعروف هم الملازمون له المكثرون بحيث يصيرون له أهلاً وأما كيفية أهليته للمعروف في الآخرة فقد قال الخطابي: من بذل معروفه في الدنيا جوزي به في الآخرة وقيل: من بذل جاهه لأهل الجرائم دون الحدود كان في الآخرة عند اللّه وجيهاً مشفقاً كما في الدنيا، وعن ابن عباس يأتي المعروف يوم القيامة أهله في الدنيا فيغفر لهم به وتبقى حسناتهم فيعطونها من زادت سيئاته على حسناته حتى يغفر لهم، وهذه الأحاديث الغرض منها الحث على إتقان علم المعاشرة فإن الحاجة إليه كالحاجة إلى علم الحكمة والسياسة فإن من لا خلق له ولا أدب يضطر إلى الانقباض والعزلة ولم [ص 4] يتسع للانبساط والمداخلة فيدخل عليه الخلف في أحواله والخلل في أموره قال تعالى لموسى - (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن) سعيد (ابن المسيب مرسلاً). 4371 - (رأس العقل بعد الإيمان باللّه الحياء وحسن الخلق) لأنهما أحسن ما تزين به أهل الإيمان ولهذا قال الأحنف: لا سؤدد لسيء الخلق وودع بعض العارفين أخاً له عند سفره فقال له: عظني. فقال: وما المرء إلا حيث يجعل نفسه * ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل قال في الإحياء: ذرة واحدة من تقوى وخلق واحد من أخلاق الأكياس أفضل من أمثال الجبال عملاً بالجوارح. - (فر عن أنس) وفيه يحيى بن راشد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه النسائي. 4372 - (رأس الكفر) وفي رواية رأس الفتنة أي منشؤه ذلك وابتداؤه يكون (نحو) بالنصب لأنه ظرف مستقر في محل رفع خبر المبتدأ (بالمشرق) وفي رواية للبخاري قبل المشرق أي أكثر الكفر من جهة المشرق وأعظم أسباب الكفر منشؤه منه والمراد كفر النعمة لأن أكثر فتن الإسلام ظهرت من تلك الجهة كفتنة الجمل وصفين والنهروان وقتل الحسين وفتنة مصعب والجماجم قيل: قتل فيها خمس مئة من كبار التابعين وإثارة الفتن وإراقة الدماء كفران نعمة الإسلام ويحتمل أن المراد كفر الجحود ويكون إشارة إلى وقعة التتار التي وقع الاتفاق على أنه لم يقع له في الإسلام نظير وخروج الدجال ففي خبر أنه يخرج من المشرق وقال ابن العربي: إنما ذم المشرق لأنه كان مأوى الكفر في ذلك الزمن ومحل الفتن ثم عمه الإيمان وأياً ما كان فالحديث من أعلام نبوته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع قال ابن حجر: وهو إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة للمدينة وكانوا في غاية القوة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم ثم استمرت الفتن بعد البعثة من تلك الجهة (والفخر) بفتح الخاء ادعاء الشرف والعظمة (والخيلاء) بضم ففتح الكبر واحتقار الناس (في أهل الخيل والإبل والفدَّادين) بشد الدال وتخفف جمع فدان البقر التي يحرث عليه أو آلة الحرث والسكة فعلى التشديد فهي جمع فداد وهو من يعلو صوته في نحو خيله والفديد الصوت الشديد وعلى التخفيف فالمراد أصحاب الفدادين على حذف مضاف وأيدَّ الأول برواية وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب البقر ووجه ذمهم شغلهم بما هم فيه عن أمر دينهم (أهل الوبر) بالتحريك أي ليسوا من أهل المدر لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر وعن أهل البادية بأهل الوبر (والسكينة) فعيلة من السكون ذكر الصغاني أنها بكسر السين وهي الوقار والتواضع أو الطمأنينة والرحمة (في أهل الغنم) لأنهم دون أهل الوبر في التوسع والكثرة وهما سبب للفخر والخيلاء أو أراد بهم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم. - (مالك) في الموطأ (ق عن أبي هريرة). 4373 - (رأس هذا الأمر) أي الدين أو العبادة أو الأمر الذي سأل عنه السائل (الإسلام) أي النطق بالشهادتين فهو من جميع الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه بدونه فلا أثر لسائر الأمور بدونه كما لا أثر لحياة الحيوان، بدون رأسه ففيه استعارة بالكناية تتبعها استعارة ترشيحية (ومن أسلم سلم) في الدنيا بحقن الدم وفي الآخرة [ص 5] بالفوز بالجنة إن صحبه إيمان (وعموده) الذي يقوم به ويعتمد عليه هو (الصلاة) فإنها المقيمة لشعار الدين الرافعة لمنار الإسلام كما أن العمود هو الذي يقيم البيت فهي العمل الدائم الظاهر الفارق بين المؤمن والكافر (وذروة) بضم أوله وكسره، قيل: وفتحه أيضاً (سنامه) ذروة كل شيء أعلاه والسنام ما ارتفع من ظهر البعير (الجهاد) فهو أعلا أنواع العبادات من حيث إن به ظهور دين المؤمنين ومن ثم كان لا يناله إلا أفضلهم ديناً وليس ذلك لغيره من العبادات فهو أعلا من هذه الجهة وإن فضله غيره من جهات أخر، شبه الأمر المذكور بفحل إبل وخصها لكونها خيار أموالهم وببيت قاتم على عمد ثم ذكر ما يلائم المشبه به وهو الرأس والعمود والسنام وفيه إشارة إلى صعوبة الجهاد وعلو شأنه وتفوقه على جميع الأعمال كيف وهو يتضمن بذل النفس والمال.
|